<< مبدأ «نصرة المستضعفين» مجرد ذريعة للتدخل السافر في شؤون الدول المجاورة
<< «تصدير الثورة» ليس أكثر من رخصة سياسية للتوسع والهيمنة
<< دستور إيران يعتبر «سعادة الإنسان» في المجتمع البشري كله قضيةً مقدسة لها
كانت «القومية الفارسية» حاضرة بهويتها العنصرية في المشروع الإيراني منذ ظهور «الدولة الصفوية» الشيعية في القرن السادس عشر، وظلت أحلام استعادة الإمبراطورية الفارسية القديمة ثابتة لا تتزحزح منذ ذلك التاريخ، وعلى مدار أربعة قرون خلت من الزمان.
ويؤكد المراقبون السياسيون أن ما تم تنفيذه حتى الآن من هذا المشروع الإيراني، في 4 دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، برهان واضح على الاستراتيجية التي تتبعها إيران للوصول إلى أهدافها المنشودة؛ فهي تعلم يقينا أن تقويض الأمن والاستقرار في أي دولة سيعود بالنفع الكبير عليها، ولكنها لم تنس أعداءها المحتملين بعد استكمال استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، لذلك تعمل، على مستوى أول، على زعزعة الأمن في الدول المحيطة بها، كالعراق وسوريا والبحرين واليمن والسعودية ومصر ولبنان والمغرب.
لقد عمل «الصفويون» منذ نحو أربعة قرون على إحياء أحلام الإمبراطورية الفارسية، ونشروا التشيع في عموم البلاد بالقوة، من أجل فصلها تماما عن محيطها السني العربي الإسلامي، تمهيدا لإحياء إمبراطورية فارس القديمة من جديد، فكانوا بذلك بمثابة الامتداد التاريخي للمشروع الذي يقوده ملالي إيران منذ ثورة عام 1979.
وبناء على حلم إعادة الإمبراطورية الفارسية من أضابير التاريخ، وكنقطة انطلاق جديدة للمشروع الإيراني التوسعي، امتدت «الدولة الصفوية» في كل أنحاء بلاد فارس وما جاورها من بلدان، حيث قضت أولا على الدولة التركمانية السنية في إيران، ثم سيطرت على أقاليم فارس وكرمان والأحواز، وبعد ذلك هاجمت بغداد واستولت عليها، واستفحل أمرها حتى وجّهت إليها الدولة العثمانية جيوشا جرارة، فوضعتها في حجمها الحقيقي.
وفي العصر الحديث، لم تلجم ثورة عام 1979 المشروع الإيراني الإمبراطوري، كما كان مفترضا من «ثورة إسلامية» يتوجب عليها عدم التعدي على البلدان العربية أو الإسلامية المجاروة، من منطلق أن هذا أمر يحرمه الدين الذي يحكم «آيات الله» باسمه، غير أن العكس هو ما حدث، ولم تكن ثورة الخميني سوى حلقة في سلسلة طويلة من مساعي إقامة الإمبراطورية الإيرانية.
تخيّل الخميني أن من واجبه «قيادة الشعوب» العربية والإسلامية في الشرق والغرب، على اعتبار أن ثورته في إيران، لم تكن محلية، بل هي تتخطى الحدود الإيرانية، بحيث يجب أن تصل إلى كل بقاع الأرض. وطالما أن دولة الإمام عالمية واحدة لا تعدّد فيها، فكذلك يجب أن تكون دولة نائبه، ومن هنا ضرورة أن تتحد الأمة الإسلامية كلها، تحت مظلّة الجمهورية الإيرانية، وبقيادة المرشد الأعلى لثورتها غير المباركة!
وتؤكد نصوص دستور «الجمهورية الإسلامية» بجلاء تام، أن طهران تسعى تحت غطاء «الوحدة الإسلامية» إلى استبدال الاحتلال الإسرائيلي والنفوذ الأمريكي في المنطقة باحتلال فارسي للبلدان العربية والإسلامية، واجتذاب «المستضعفين في الأرض» إلى صفها في مواجهة القوى الغربية، وفي مواجهة نظم الحكم العربية التي تقف حائلا أمام مساعي التوسع الإيراني.
وينص الدستور على أن «الثورة الإسلامية في إيران حركة تهدف إلى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين». وعلى ذلك فإن «الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصا بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية؛ حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم»!
وأشارت المادة (154) من الدستور الإيراني إلى أن جمهورية إيران الإسلامية تعتبر سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله، «قضية مقدسة» لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل، حقا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطة من العالم.
وفي هذا الصدد، الذي يؤكد مدى تغلغل المشروع الإيراني في فكر ملالي طهران، دأب النظام على اعتبار نفسه كذبا وادعاء «حامي المستضعفين في الأرض» ضد قوى «الاستكبار العالمي» التي يُقصد بها الولايات المتحدة وإسرائيل، لذلك كان من أبرز مبادئ الثورة الإسلامية، على مستوى السياسة الخارجية، نُصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها، وكانت النتيجة المنطقية والعملية لهذا المبدأ، هي ما عُرف بـ«تصدير الثورة».
فقد كان لدى الخميني، إحساس غريب بأنه السلطان الأوحد، والزعيم الأول، وروح الله، والسيد المصلح، والمفوّض من الإمام الغائب، والمنقذ الذي يملك صفات المعصوم، والولي المعيّن من الله لتجديد الإسلام وإحياء الشريعة ومناصرة المستضعفين في العالم، والذي يجب أن يخضع لحاكميته كل مسلمي العالم.
وكان مبدأ «نصرة المستضعفين» مجرد ذريعة لتدخل طهران العسكري والعقائدي السافر في شؤون الكثير من الدول المجاورة لها، التي باتت مقتنعة بأن النظام الإيراني هو نظام توسّعي ومعتدٍ ويشكل خطرًا وتهديدًا لأمنها القومي، فصار لزاما على هذه الدول السعي جاهدة إلى مواجهة المخططات التوسعية الإيرانية، ومن ذلك ما يحدث في اليمن منذ ما يزيد عن 4 سنوات من القتال والدمار تحت راية «أنصار الله» المزعومين!
لم يكن مبدأ «تصدير الثورة» إلى كل بقاع الأرض، ليس أكثر من رخصة سياسية ألبسها المشروع الإيراني ثوبا دينيا وإنسانيا ودستوريا، تسمح له بالعمل على هزّ استقرار بعض الدول المناوئة له، وإسقاط أنظمتها، عبر التحريض المذهبي وإشعال نار العصبيات والفتن الطائفية بين مكوّنات الشعب الواحد. ولذلك يمكن القول، إنّ السياسات المتبعة من قبل النظام الإيراني، باتت تؤهلّه في نظر كثيرين، للانضمام إلى نادي المستكبرين الذين يدّعي محاربتهم».
وإن مصطلح «حكومة الجمهورية الإسلامية» لا يعني إيران بحدودها المعروفة حاليا، ولكنه يعني «حكومة عالمية" في إطار مشروع إيران لإعادة الإمبراطورية الفارسية ولكن بغطاء ديني يتوافق مع الديانة الرسمية لمعظم الشعوب المحيطة بها حاليا.
ويؤكد حسن نصر الله، الأمين العام لميليشيات «حزب الله» الإيرانية في لبنان، حلم «الدولة الكبرى» الإيراني، إذ يقول: «إن مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني».
إن هذه بعض ملامح وركائز المشروع الاستراتيجي النظام الإيراني للسيطرة على المشرق العربي، وتزعم العالم الإسلامي، وهو مشروع لا يزال فيما يبدو في مرحلة الصمود، رغم الانتكاسات التي مُني بها في اليمن، يساعده في ذلك فراغ عربي كبير على مستوى الاستراتيجيات والتكتيك لمواجهة المشروع الإيراني المستمر على مدار أربعة قرون مضت.
