<< رئيس الأركان الإيراني: تنازلنا عن قوتنا النووية ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا "قيمة أكبر"
<< المراقبون: موانع إقليمية تحول دون تحقيق طهران هذا الهدف الاستراتيجي ضمن "الحلم الامبراطوري"
<< البحرية المصرية أطلقت النار على سفن إيرانية ومنعتها من إغلاق "باب المندب" في مارس 2015
تقرير – إسراء حبيب
يسعى ملالي طهران سعيا حثيثا للسيطرة على مقدرات منطقة الشرق الأوسط برمتها، ومن ذلك الإعلان عن اعتزام طهران إقامة قاعدتين بحريتين في اليمن وسوريا، ضمن أجندتها الطائفية التوسعية، حيث ينمو لدى النظام الإيراني شعور متعاظم بأنه قد أصبح "قوة عسكرية كبرى" ضمن القوى الدولية التقليدية، وأن مثل هذا الادعاء يعطي النظام الحق في إنشاء قواعد عسكرية خارج أراضيه تعبر عن وضعه العسكري الجديد على أن تكون البداية باستخدام أراضي الدول العربية التي وجدت إيران لنفسها موطئ قدم فيها.
وفي نوفمبر 2016، أعلن اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان الإيرانية، عن أن بلاده تتجه نحو "بناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن، نظرا لحاجة الأساطيل الإيرانية لقواعد بعيدة. وهناك الكثير من المتطوعين مستعدون للتضحية ضمن القوات البحرية لو أتيحت لهم الفرصة".
وأضاف "باقري": "نحتاج لقواعد بعيدة ومن الممكن في يوم ما أن يكون لنا قواعد على سواحل اليمن أو سوريا أو قواعد على جزر أو قواعد عائمة"، متسائلا: "هل امتلاك قواعد بعيدة أقل من التكنولوجيا النووية؟ أقول إنه أهم بعشرات المرات، لقد تنازلنا عن قوتنا النووية ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا قيمة أكبر، أسطول عسكري في بحر عمان وأسطول آخر في المحيط الهندي، وبناء قواعد بحرية على سواحل كل من اليمن وسوريا".
الحلم الامبراطوري القديم
من المسلّم به أن إقامة قاعدة بحرية في اليمن بشكل خاص أمر له أهمية قصوى بالنسبة لملالي إيران، حيث تطل اليمن على مضيق "باب المندب" أحد أهم الممرات المائية الدولية، وسيتيح لها هذه القاعدة البحرية - حال إنشائها- أن تهدد بشكل جدي خصمها الرئيسي في هذه المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية، كما أنها ستؤمن لها منفذاً إلى البحر الأحمر، لتقديم الدعم العسكري واللوجيستي لحلفائها "الحوثيين" في وقت يحول فيه الحصار السعودي بين ايران والوصول إلى الشواطئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة الشيعية المارقة.
وينبغي الإشارة إلى أن هذه السياسة الإيرانية وخطابها التوسعي في أعالي البحار ليسا جديدين؛ فقد دأب شاه إيران الراحل على الحديث عن "دور بحري كبير" خاصة في منطقة المحيط الهندي، والفارق الوحيد أن الشاه كان يدرك أن متطلبات مثل هذا الدور أكبر من إمكانيات بلاده، فلم يتخذ أي إجراء في هذا الصدد، حتى حاول "آيات الله" المزعومين إعادة إحياء هذه الحلم الإمبراطوري القديم.
ومن الواضح أن مثل هذه الإعلانات عن إنشاء قاعدة بحرية في اليمن، لها هدف سياسي أكثر منه عسكري قابل للتحقيق على أرض الواقع، وهي على الأغلب تستهدف بعض الجمهور الإيراني والقوى التي تعتبر نفسها امتداداً لـ"رسالة الجمهورية الإسلامية المقدسة"!
ولذلك، لا يخفي القادة الايرانيون طموحهم في مد ذراعهم البحرية إلى مناطق بعيدة لكنها ذات أهمية خاصة على المستوى الجيوستراتيجي العالمي، مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب وشرق المتوسط، وأضيف إلى ذلك في الآونة الاخيرة "مضيق ملقة ."
ويرى المراقبون السياسيون والمحللون العسكريون أن الهدف من إعلان رئيس هيئة الأركان الإيراني، هو رفع معنويات ميليشيات "الحوثي" الانقلابية بعد الهزائم المتتالية التي تلقتها على يد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وقوات "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات، مؤكدين أنه من المستحيل من إقامة هذه القاعدة في اليمن في هذا التوقيت تحديداً، خصوصا أن دولا عربية مثل السعودية والإمارات ومصر لن تسمح بذلك أبدا، مع العلم أن القوات البحرية المصرية تحكم سيطرتها على مضيق باب المندب لضمان مرور السفن إلى قناة السويس.
وفي مارس 2015 منعت البحرية المصرية السفن الإيرانية من إغلاق المضيق، وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية وقتها أن سفنا إيرانية أطلقت النار على 4 قطع بحرية مصرية تابعة لتحالف "عاصفة الحزم" بالقرب من باب المندب، لترد عليها البحرية المصرية بقوة وتجبرها على الفرار من محيط المضيق، وهو ما يعني أن القاهرة لن تسمح لطهران مطلقا بالسيطرة على الملاحة في البحر الأحمر.
خطاب سياسي دعائي
يشير المراقبون إلى أن النظام الإيراني لايزال أمامه حواجز وموانع عديدة لكي يكون قادر على تحقيق مثل هذه الأهداف الاستراتيجية في حلمه الامبراطوري الكبير، وأن تصريح "باقري" عن القواعد البحرية في اليمن وسوريا هو من قبيل الخطاب الدعائي لأنه يتجاوز عن حقيقة أن اليمن بالذات لن تكون دولة تابعة لإيران، إن بقوة رد فعل اليمنيين وحلفائهم العرب على مثل المساعي، أو بفعل تداخل مصالح القوى الدولية الكبرى في عموم المنطقة.
غير أن التوسع السريع الذي تحقق على الأرض بالفعل في عمليات البحرية الإيرانية، يثير قلق الدول المجاورة عام ، حيث ٢٠٠٩ باشرت طهران القيام بعمليات بحرية مستقلة في خليج عدن تحت زعم "محاربة القرصنة".
وفي عام ٢٠١١ أرسلت إيران سفينتين إلى ميناء اللاذقية السوري؛ واستفز ذلك المملكة العربية السعودية التي بادرت إلى إطلاق مقترح بإنشاء قوة بحرية عربية مشتركة، لكن المقترح لم يجد صدى لدى الدول العربية ذات الثقل العسكري مثل مصر، التي دعت إلى إنشاء قوة عربية مشتركة تضم كافة الأسلحة، غير أن الدعوة لم تجد آذنا مصغية.
والمقترح السعودي أُعيد طرحه على الساحة مجدداً خلال عامي 2014 و2015 لمواجهة الأطماع الإيرانية البحرية، دون تحقيق أي نجاح يذكر.
فيما تحركت الإمارات، بدروها، لتطويق محاولات التوسع الإيراني في سواحل القرن الأفريقي، في الوقت الذي يشهد فيه اليمن تراجعا ملحوظا لنفوذ طهران، بعد أن وجه التحالف العربي ضربات موجعة لحلفاء إيران "الحوثيين".
وباتت أبوظبي تملك منفذين حصريين على مضيق باب المندب وخليج عدن عبر تشييد قاعدتين عسكريتين كبيرتين في ميناءي عصب الإرتيري، وميناء آخر وافق برلمان دولة أرض الصومال على اتفاقية إنشاء قاعدة إماراتية جديدة هناك.
وتعمل الإمارات على خطة استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تطويق الالتفاف الإيراني في منطقة سواحل البحر الأحمر الجنوبية والقرن الأفريقي، عبر الاستثمار العسكري والاقتصادي في منطقة لطالما شكلت فضاء أمام توسع إيراني دون عوائق تذكر.
من جهتها، اعتبرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أن إقامة قاعدة بحرية إيرانية في اليمن مسألة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لطهران، فاليمن يشرف على "باب المندب" أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم، ومن شأن إقامة قاعدة بحرية هناك منح طهران منفذا إلى البحر الأحمر.
وأشارت المجلة إلى أن "الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، أتاح لهاتين الدولتين العربيتين ميزة تمثلت في تحكمها في منطقة البحر الأحمر، بإقامتهما قواعد بحرية في جيبوتي وإريتريا".
ومع ذلك، تضيف المجلة، فإن "توسع البحرية الإيرانية يكتسب زخما يؤرق مضاجع جيرانها. وإذا تُركت إيران دون كبح جماحها، فإنها قد تتمكن من تطوير القدرة على تهديد خطوط الملاحة الحيوية في بحر قزوين والمحيط الهندي، وعلى الدول الإقليمية الكبرى بذل مزيد من الجهد للتصدي للخطر الذي تشكله إيران لا سيما في المجال البحري".

