<< مليونا طفل يمني هجروا المدارس بلا رجعة منذ عام 2014.. و1.6 مليون مشردون في الشوارع
<< الأمم المتحدة: تجنيد «الحوثيين» آلاف الأطفال في أعمال القتال «جريمة مكتملة الأركان» ضد الإنسانية
<< وزيرة الشؤون الاجتماعية: الحرب تسببت في مقتل 1546 طفلا وإصابة 2450 بتشوهات
نال أطفال اليمن نصيب الأسد من تداعيات الانقلاب الذي نفذته مليشيات «الحوثي» الإرهابية عام 2014 ضد الشرعية اليمنية، فمن ضمن 3 مليون يمني مشرد هناك 1.6 مليون طفل، كما تم تدمير عشرات المدارس بجعلها منصات لإطلاق النار، وهناك 212 حالة اعتداء مسجلة على مدارس.
ويقول الدكتور فؤاد البنا، أستاذ العلوم السياسية جامعة تعز، إن الطبيعة الإجرامية التي نشأت عليها الحركة «الحوثية» لم تدع أي فئة أو قطاع من قطاعات المجتمع اليمني دون أن تمنحه نصيباً من إجرامها الذي تجاوز كل حدّ وفاق كل تصوّر، ومن هذه الفئات فئة الأطفال، فقد ارتكبت المليشيات الانقلابية بحقهم أفظع الجرائم، وعلى رأسها الحرمان من التعليم، فهناك أكثر من مليوني طفل ممن كانوا يرتادون المدارس صاروا خارجها، بجانب من تسرّبوا من قبل، بعد أن جعل الحوثيون من مئات المدارس معسكرات ومتارس، وبعد أن نشروا الخراب وأشاعوا الخوف في كل مكان حلّوا فيه.
من جهة أخرى، تسبب «الحوثيون» في إصابة 90% من أطفال اليمن بسوء التغذية وكافة الأمراض التي انقرض بعضها من العالم منذ عقود، حيث تسبّبوا الحوثيون في بعثها من جديد، بانقلابهم على الشرعية عام 2014، وهو الانقلاب الذي أعاد عجلة الحياة في اليمن إلى الوراء مئات السنين.
أطفال على الجبهة
دفع انحسار رقعة سيطرة ميليشيات الحوثي الإيرانية وخسارتها للمزيد من المقاتلين، تلك الميليشيات المتمردة إلى تجنيد الأطفال والزج بهم إلى جبهات القتال.
وبجانب إغراء أطفال القبائل بالسلاح الذي يجد حفاوة كبيرةً في ثقافتهم القبلية، يتم استغلال فقرهم وانعدام المرتبات، ويتم استغفال وخداع كثيرين بأن مهماتهم لوجستية فقط في غير ساحات القتال، وفجأة يجدون أنفسهم يقاتلون بعد تدريب يدوم أياما قليلة، ويهددون من يتراجع بالقتل.
وباتت أساليب الترغيب والترهيب لا تجدي نفعا فيما يبدو، في حين لم تعد مزاعم «قتال إسرائيل» في تعز أو لحج أو البيضاء تنطلي حتى على الأطفال هناك.
ودفع ذلك الواقع قادة الانقلاب إلى اللجوء للمدارس والجامعات، للانتقاء من بين طلابها من تزج بهم في محرقة أطماع عبدالملك الحوثي ومن ورائه ملالي طهران، وهو ما ترفضه القبائل اليمنية في صنعاء والمحافظات المحيطة بها.
وفي استغلال واضح لحالة الفقر والعوز التي تسبب بها الانقلاب، أعلنت ميليشيات الحوثي عن مقابل مادي شهري ضخم لمن ينضمون إليها وإحلالهم محل جنود الجيش اليمني، الذين يمتنع الحوثيون عن دفع رواتبهم لأشهر طويلة مضت.
وأكدت الأمم المتحدة مؤخرا أنها تحققت من تجنيد آلاف الأطفال في اليمن واستخدامهم في الصراع المسلح، متهمة جماعة الحوثي الإرهابية صراحة بالوقوف وراء عمليات تجنيد الأطفال. وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إنها «تلقت العديد من التقارير، حول تجنيد الأطفال في اليمن واستخدامهم في الصراع على يد اللجان الشعبية التابعة للحوثيين».
وذكرت المتحدثة باسم المفوضية، إلى أنه ما بين مارس 2015 ويناير 2017، تحققت الأمم المتحدة من تجنيد 1476 طفلا في أعمال القتال الدائرة في اليمن، جميعهم من الذكور، منوهة بأنه «من المرجح أن تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير؛ نظراً لرفض معظم الأسر الحديث عن تجنيد أطفالها؛ خوفاً من الانتقام».
وأضافت المسؤولة الأممية «تلقينا تقارير جديدة حول الأطفال الذين تم تجنيدهم من دون علم أسرهم، غالباً ما ينضم هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة إلى القتال نتيجة التغرير بهم أو الوعود بمكافآت بمالية أو مراكز اجتماعية، ويتم إرسال العديد منهم على وجه السرعة إلى الخطوط الأمامية لجبهة القتال، وهي جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية».
من جهة ثانية، دفع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه معظم العائلات اليمنية إلى عدم الاكتراث لحال أبنائها، حيث عجزت عن الوفاء بمسؤولياتها تجاه الأبناء، وهو ما جعل الأطفال عرضة للاستخدام كوقود للحرب.
وهو الأمر الذي دفع ابتهاج الكمال، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية، لمناشدة المجتمع الدولي بممارسة مزيد من الضغوط على ميليشيات الحوثي لوقف استغلال وتجنيد الأطفال في الحرب التي تقودها ضد الشعب اليمني، مشيرة إلى أن «الميليشيات وظفت أطفال اليمن أسوأ توظيف، فباتت الأذرع الهشة التي كانت تحلم بحمل قلم ودفتر دراسي، تئن تحت وطأة الأسلحة».
وأضافت الوزيرة في تصريحات مؤخرا أن «البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة، واليمن طرفا فيه، يحدد 18 عاما سنا دنيا لأية مشاركة في نزاع مسلح من قبل قوات مسلحة أو جماعات مسلحة غير تابعة لدول ويُلزم البروتوكول الحكومات والجماعات المسلحة بتسريح الأطفال من صفوفها وبتوفير المساعدة لتعافيهم المادي والنفسي - الاجتماعي ودمجهم في المجتمع».
أما الأطفال الذين تمكنوا من الإفلات من التجنيد أو القصف، وجدوا أنفسهم أسرى مناهج مؤدلجة فرضها «وكلاء طهران» على مدارس اليمن في مناطق سيطرتهم، بغرض غسل أدمغتهم، وتهيئة جيل يمني يؤمن بأفكارهم المتطرفة، تمهيدا للزج به أيضا في حروبهم التي لا تنتهي.
وفي أغسطس 2015، ذكر تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الدولية أن «عائلات فقيرة أرسلت أطفالها للانضمام إلى القوات الحوثية مقابل 1000 إلى 2000 ريال يمني يوميا (7 إلى 15 دولارا)، وفي بعض الحالات لا يحصل الأطفال على أي نقود، إنما على طعام وقات فقط».
والتقى مسؤولو المنظمة 7 صبية، أصغرهم عمره 14 عاما، قالوا: إنهم تطوعوا في صفوف الحوثيين، وإنهم يؤدون مهام قتالية أو تكليفات عسكرية أخرى، منها حمل الذخيرة إلى جبهات القتال وسحب جثث المقاتلين الذين يسقطون في المعركة.
والواقع أن جماعة الحوثي تعمل على تجنيد الأطفال من أجل إطالة أمد قدرتها على تحمل الحرب، حيث إن الأطفال أسهل انقياداً من الكبار، ويسهل التأثير عليهم وتوجيههم، إضافة إلى جعلهم مقاتلين أشداء على المدى البعيد، وضمان ولائهم بعد أن يتم غسل أدمغتهم من قبل خبراء أيديولوجيين لدى جماعة الحوثي يقومون بهذه المهام، وبهذه الأعمال تضمن الجماعة أنها تمكنت من «تفخيخ المستقبل».
كما أن تجنيد الأطفال أقل كلفة مادية ومالية على الميليشيات، حيث يمكن خداع الأطفال وإقناعهم بالانضمام إلى الميليشيات بمقابل مادي زهيد، ويستغل الحوثيون حالة العوز والفقر لدى الأسر لإقناعها بتجنيد أولادها بمقابل مادي محدود، مع وعود بالحصول على امتيازات مادية ومعنوية في المستقبل.
ويؤكد المراقبون السياسيون أن هذه الأعمال تعدُّ جرائم ضد الإنسانية، وفقا لعدد من المواثيق الدولية، وينبغي أن يكون هذا الملف مفتوحاً وملحاً، وأن تعمل عليه مختلف الهيئات والجهات اليمينة والعربية خلال الفترة المقبلة، أما انتظار تدخل المجتمع الدولي من تلقاء نفسه، فهذا أمر غير منطقي؛ لأن المجتمع الدولي لا يعنى بمثل بهذه الجرائم إلا إذا تم تسليط الضوء، وبالتالي لابد من العمل الجاد على هذه القضية حتى الوصول إلى إدانة الجماعة «الحوثية» العميلة ومحاسبتها على هذه الجريمة المركبة في كل المحافل الدولية.

